الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية / الجزء العشرون
1 - الخمار من الخمر، وأصله السّتر، يقال: خمر الشّيء يخمره خمراً، وأخمره أي ستره، وكلّ مغطّىً مخمَّر يقال: خمّرت الإناء أي غطّيته، وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «خمّروا آنيتكم» وفي رواية: «خمّروا الآنية وأوكئوا الأسقية». وكلّ ما يستر شيئاً فهو خماره. لكنّ الخمار غلب في التّعارف اسماً لما تغطّي به المرأة رأسها، يقال: اختمرت المرأة وتخمّرت: أي لبست الخمار، وجمع الخمار خمر، قال اللّه تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للخمار في الجملة عن المعنى اللّغويّ السّابق، لأنّ بعض الفقهاء يعرّفونه بأنّه: ما يستر الرّأس والصّدغين أو العنق.
أ - الحجاب: 2 - الحجاب: السّتر، يقال: حجب الشّيء يحجبه حجباً وحجاباً، وحجبه: ستره، وامرأة محجوبة: قد سترت بستر، وحجاب الجوف: ما يحجب بين الفؤاد وسائره، قال الأزهريّ: هي جلدة بين الفؤاد وسائر البطن. والأصل في الحجاب أنّه جسم حائل بين جسدين، واستعمل في المعاني فقيل: العجز حجاب والمعصية حجاب. فالحجاب أعمّ من الخمار. ب - القناع: 3 - القناع ما تتقنّع به المرأة من ثوب تغطّي رأسها ومحاسنها. ونحوه المقنّعة وهي ما تقنع به المرأة رأسها. قال صاحب القاموس: القناع أوسع منها. ويطلق بعض الفقهاء القناع على الثّوب يلقيه الرّجل على كتفه، ويغطّي به رأسه ويردّ طرفه على كتفه الآخر. والقناع أعمّ وأشمل في السّتر من الخمار، أو هو يخالفه بإطلاق بعض الفقهاء. ج - النّقاب: 4 - النّقاب ما تنتقب به المرأة، يقال: انتقبت المرأة وتنقّبت: غطّت وجهها بالنّقاب. ويعرّف ابن منظور النّقاب بأنّه: القناع على مارن الأنف، ثمّ يقول: والنّقاب على وجوه. قال الفرّاء: إذا أدنت المرأة النّقاب إلى عينها فتلك الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النّقاب، فإن كان على طرف الأنف فهو اللّفام. قال ابن منظور: الوصواص: البرقع الصّغير. وكلّ من الخمار والنّقاب يغطّى به جزء من الجسم، الخمار يغطّى به الرّأس، والنّقاب يغطّى به الوجه. د - البرقع: 5 - البرقع لغةً: ما تستر به المرأة وجهها.
6 - ارتداء المرأة الحرّة الخمار بوجه عامّ واجب شرعاً، لأنّ شعر رأسها عورة باتّفاق، وقد أمرت المرأة بضرب الخمار على جيبها في قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} قال القرطبيّ: سبب هذه الآية أنّ النّساء كنّ في ذلك الزّمان إذا غطّين رءوسهنّ بالأخمرة، وهي المقانع سدلنها من وراء الظّهر فيبقى النّحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر اللّه تعالى بليّ الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها. قالت عائشة رضي الله عنها: إنّما يضرب بالخمار الكثيف الّذي يستر
7 - مسح الرّأس في الوضوء فرض تواترت عليه الأدلّة من الكتاب والسّنّة والإجماع. والفرض الّذي تواترت عليه الأدلّة هو أصل المسح، أمّا صفته ومقدار ما يمسح من الرّأس ففيه خلاف وتفصيل ينظران في مصطلحي: (وضوء، ومسح). وممّا اختلف فيه كذلك المسح على الخمار: فقال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة: لا يجزئ في الوضوء مسح المرأة خمارها وحده دون مسح رأسها، إلاّ إذا كان الخمار رقيقاً ينفذ منه الماء إلى شعرها، فيجوز لوجود الإصابة، لما روي عن «عائشة رضي الله عنها أنّها أدخلت يدها تحت الخمار ومسحت برأسها، وقالت: بهذا أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم». ولأنّه لا حرج في نزعه، والرّخصة لدفع الحرج، ولأنّ قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} يقتضي عدم جواز مسح غير الرّأس. قال نافع: رأيت صفيّة بنت أبي عبيد تتوضّأ وتنزع خمارها ثمّ تمسح برأسها، قال نافع: وأنا يومئذ صغير، قال محمّد بن الحسن: بهذا نأخذ، لا نمسح على خمار ولا على عمامة، بلغنا أنّ المسح على العمامة كان فترك. قال النّوويّ: قال الشّافعيّ في البويطيّ: وتدخل يدها تحت خمارها حتّى يقع المسح على الشّعر، فلو وضعت يدها المبتلّة على خمارها قال أصحابنا: إن لم يصل البلل إلى الشّعر لم يجزئها، وإن وصل فهي كالرّجل إذا وضع يده المبتلّة على رأسه إن أمرّها عليه أجزأه وإلاّ فوجهان، الصّحيح الإجزاء. وقال الشّافعيّة: يستحبّ لمن مسح ناصيته ولم يستوعب الرّأس بالمسح أن يتمّ المسح على العمامة، وقالوا: وهذا حكم ما على رأس المرأة. وعند الحنابلة قال ابن قدامة: في مسح الرّأس على مقنعتها روايتان: إحداهما: وهي المعتمدة واقتصر عليها الحجّاويّ يجوز، لأنّ أمّ سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه أمر بالمسح على الخفّين والخمار» ولأنّه ملبوس للرّأس معتاد يشقّ نزعه فأشبه العمامة. والثّانية: لا يجوز المسح عليه، فإنّ أحمد سئل: كيف تمسح المرأة على رأسها؟ قال: من تحت الخمار ولا تمسح على الخمار،قال: وقد ذكروا أنّ أمّ سلمة كانت تمسح على خمارها.
8 - اتّفق الفقهاء على أنّ من شروط الصّلاة ستر العورة، ومن العورة الّتي يشترط سترها في الصّلاة شعر المرأة، فيجب على المرأة الحرّة البالغة أن تخمّر رأسها في الصّلاة، أي تغطّيه بخمار كثيف لا يشفّ، فإن لم تفعل كانت صلاتها باطلةً، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار» والمراد بالحائض البالغة، لأنّ الحائض فعلاً أثناء حيضها لا صلاة لها، لا بخمار ولا بغيره، فكان التّعبير بلفظ الحائض مجازاً عن البالغة لأنّ الحيض يستلزم البلوغ. ثمّ اختلف الفقهاء فيما وراء ذلك من الأحكام: فقال الحنفيّة:إن تركت الحرّة البالغة ستر ربع رأسها فأكثر قدر أداء ركن بلا صنعها أعادت. وفي أحكام الصّغار للأُسترُوشَني: وجواز صلاة الصّغيرة بغير قناع استحسان، لأنّه لا خطاب مع الصّبا، والأحسن أن تصلّي بقناع لأنّها إنّما تؤمر بالصّلاة للتّعوّد فتؤمر على وجه يجوز أداؤها معه بعد البلوغ. ثمّ قال: المراهقة إذا صلّت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحساناً، وإن صلّت بغير وضوء تؤمر بذلك. وقال المالكيّة: يندب للمرأة الحرّة الصّغيرة المأمورة بالصّلاة ستر للصّلاة - وهو واجب على الحرّة البالغة - وتعيد الصّلاة ندباً إن راهقت - أي قاربت البلوغ - وتركت القناع - أي تغطية الرّأس - في الصّلاة... وقالوا: يكره القناع في الصّلاة للرّجل إذا كان بصفة معيّنة هي أن يلقي ثوباً على كتفه ويغطّي به رأسه ويردّ طرفه على كتفه الآخر، وهو مكروه للرّجال لأنّه من زيّ النّساء إلاّ من ضرورة حرّ، أو برد، أو يكون شعار قوم فلا يكره. وقال الشّافعيّة: لا تقبل صلاة الصّبيّة المميّزة إلاّ بخمار. وقال الحنابلة: غير البالغة لا يلزمها ستر رأسها في الصّلاة لمفهوم حديث عائشة السّابق.
9 - اتّفق الفقهاء على أنّ من محظورات الإحرام بالنّسبة للرّجل تغطية الرّأس، وعلى أنّ المرأة الحرّة لا تكشف رأسها في الإحرام - كما يفعل الرّجل -لأنّ رأسها عورة يجب سترها، وعليها أن تخمّر رأسها بما يستره ستراً كاملاً، ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله: أجمع أهل العلم على أنّ للمحرمة لبس القمص والدّروع والسّراويلات والخمر والخفاف. واتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المرأة حال إحرامها ستر وجهها،أو بعضه بما يعدّ ساتراً، لكنّهم قالوا: إنّ على المرأة الحرّة المحرمة بحجّ أو عمرة أن تستر من وجهها ما لا يتأتّى ستر جميع رأسها إلاّ به،ولا يجوز لها أن تكشف من رأسها ما لا يتأتّى كشف وجهها إلاّ به، لأنّ المحافظة على ستر الرّأس بكماله لكونه عورةً أولى من المحافظة على كشف ذلك القدر من الوجه الّذي لا يتأتّى تمام ستر الرّأس إلاّ به.
10 - اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّ الكفن الضّروريّ المقدور عليه ما يغطّي بدن الميّت رجلًا كان أو امرأةً إلاّ رأس المحرم ووجه المحرمة. وعلى أنّ الأفضل في الكفن للمرأة خمسة أثواب: إزار تستر به العورة، وخمار يغطّى به الرّأس، وقميص، ولفافتان. قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفّن المرأة في خمسة أثواب، وإنّما استحبّ ذلك لأنّ المرأة تزيد في حال حياتها على الرّجل في السّتر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت، وقد روى أبو داود بإسناده عن ليلى بنت قائف الثّقفيّة رضي الله تعالى عنها قالت: «كنت فيمن غسّل أمّ كلثوم رضي الله تعالى عنها بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أوّل ما أعطانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الحقو، ثمّ الدّرع، ثمّ الخمار، ثمّ الملحفة، ثمّ أدرجت بعد ذلك في الثّوب الآخر». وعند الحنابلة أنّ الجارية إذا لم تبلغ لا تخمّر عند تكفينها، جاء في المغني: قال المروزيّ: سألت أبا عبد اللّه في كم تكفّن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين،وقميص لا خمار فيه، وكفّن ابن سيرين بنتاً له قد أعصرت في قميص ولفافتين، ولأنّ غير البالغ لا يلزمها ستر رأسها في الصّلاة. واختلفت الرّواية عن أحمد في الحدّ الّذي تصير به في حكم المرأة في التّكفين ويكون في كفنها الخمار، فروي عنه، إذا بلغت، وهو ظاهر كلامه في رواية المروزيّ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار». مفهومه أنّ غيرها لا تحتاج إلى خمار في صلاتها فكذلك في كفنها. وروى عن أحمد أكثر أصحابه: إذا كانت بنت تسع سنين يصنع بها ما يصنع بالمرأة، واحتجّ «بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل بها وهي بنت تسع سنين» وعنها رضي الله تعالى عنها قالت: إذا بلغت الجارية تسعاً فهي امرأة. وفي ترتيب أثواب الكفن وموضع الخمار بينها تفصيل ينظر في مصطلح: (تكفين).
انظر: أشربة.
1 - الخُمْس - بضمّ الخاء وسكون الميم أو ضمّها - الجزء من خمسة أجزاء، والخَمْس - بفتح الخاء وسكون الميم - أخذ واحد من خمسة، يقال: خمستهم أخمُسهم - بضمّ الميم في المضارع - أي أخذت خمس أموالهم، وخمستهم أخمِسهم - بكسر الميم في المضارع - أي كنت خامسهم أو كمّلتهم خمسةً بنفسي، ويقال: خمّست الشّيء - بالتّثقيل - أي جعلته خمسة أجزاء، ويقال: أخمس القوم أي صاروا خمسةً. والخمس: خمس الغنيمة أو الفيء، والتّخميس: إخراج الخمس من الغنيمة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
أ - المرباع: 2 - المرباع هو الرّبع: قال قطرب: المرباع الرّبع، والمعشار العشر ولم يسمع في غيرهما، ومنه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعديّ بن حاتم قبل إسلامه: «إنّك لتأكل المرباع وهو لا يحلّ لك في دينك» كانوا في الجاهليّة إذا غزا بعضهم بعضاً وغنموا أخذ الرّئيس ربع الغنيمة خالصاً دون أصحابه وقال الشّاعر:
لك المرباع منها والصّفايا *** وحكمك والنّشيطة والفضول
والفرق بين اللّفظين اختلاف القدر بينهما. ب - الصّفيّ: 3 - الصّفيّ: ما كان يصطفيه الرّئيس في الحرب قبل الإسلام لنفسه من الغنيمة دون أصحابه، وما لا يستقيم أن يقسم على الجيش. والصّفيّ في الإسلام شيء كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصطفيه لنفسه قبل القسمة كسيف أو فرس أو أمة، وقد «اصطفى صلى الله عليه وسلم سيف منبّه بن أبي الحجّاج - وهو ذو الفقار - يوم بدر، واصطفى صفيّة بنت حييّ رضي الله عنها». وقد انقطع ذلك بموته صلى الله عليه وسلم. والفرق بين الخمس والصّفيّ أنّ الخمس الّذي شرعه اللّه تعالى في الغنائم وغيرها له مصارف معيّنة، أمّا الصّفيّ فكان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وللرّئيس في الحرب قبل الإسلام. ج - النّشيطة: 4 - النّشيطة من الغنيمة: ما يصيبه القوم قبل أن يصلوا إلى الحيّ الّذي يريدون الإغارة عليه فينشطه الرّئيس من بين أيديهم ويأخذه قبل القسمة. والفرق بين النّشيطة والخمس من الغنيمة أنّ النّشيطة كان يستأثر بها الرّئيس في الجاهليّة، أمّا الخمس فقد بيّن اللّه تعالى مصارفه. د - الفضول: 5 - الفضول من الغنيمة: بقايا تبقى منها لا تستقيم قسمتها على الجيش لقلّتها وكثرة الجيش فيختصّ بها رئيس الجيش قبل الإسلام. والفرق بين الفضول من الغنيمة والخمس أنّ الفضول كان يخصّ بها رئيس الجيش في الجاهليّة نفسه ويستأثر بها دون أصحابه، أمّا الخمس فقد بيّن اللّه تعالى مصارفه.
6 - اتّفق الفقهاء على وجوب تخميس الغنيمة لقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}. واختلفوا في تخميس الفيء على ما سيأتي.
7 - وهي المال الّذي يأخذه المسلمون من الكفّار بالقوّة والقهر بإيجاف الخيل والرّكاب. ولم تكن الغنائم تحلّ لمن مضى من الأمم، وفي الحديث النّبويّ المتّفق عليه: «أعطيت خمساً لم يعطهنّ نبيّ قبلي... وأحلّت لي الغنائم» وكانت الغنائم في أوّل الإسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} ثمّ صار أربعة أخماسها للغانمين، والخمس لغيرهم لقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ...} فأضاف الغنيمة إليهم وجعل الخمس لغيرهم فدلّ ذلك على أنّ سائرها (البقيّة) لهم، وقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً} فأحلّها اللّه لهم. والغنيمة إذا كانت أرضاً فتحت عنوةً ففي تخميسها خلاف بين الفقهاء ينظر في: (تخميس وغنيمة وأرض وخراج). وإن كانت الغنيمة من الأموال المنقولة وجب تخميسها وقسم أخماسها الأربعة على الغانمين، وصرف الخمس في مصارفه. ويبدأ الإمام أو الأمير في قسم الغنيمة بالسّلب فيعطيه للقاتل، ثمّ يخرج المؤن اللّازمة كأجرة حمّال وحافظ وغيرهما، ثمّ يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، خمس لأهل الخمس، والأربعة الأخماس للغانمين. واختلف الفقهاء في كيفيّة قسم خمس الغنيمة على أقوال: القول الأوّل: 8 - قال الشّافعيّة والحنابلة: يقسم خمس الغنيمة على خمسة أسهم، لقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ولما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة» وبهذا قال عطاء ومجاهد والشّعبيّ والنّخعيّ وقتادة وابن جريج. وبيان هذه الأسهم كالآتي: أ - سهم للّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم: وكان هذا السّهم له صلى الله عليه وسلم في حياته يضعه في مصارفه الّتي يراها، ثمّ صار من بعده صلى الله عليه وسلم يصرف في الكراع والسّلاح ومصالح المسلمين، كسدّ الثّغور، وشحنها بالعدد، والمقاتلة، وكعمارة المساجد، والقناطر، والحصون، وأرزاق القضاة، والأئمّة، والعلماء بعلوم تتعلّق بمصالح المسلمين، لأنّ بالثّغور حفظ المسلمين، ولئلاّ يتعطّل من ذكر بالاكتساب عن الاشتغال بهذه العلوم وعن تنفيذ الأحكام وعن التّعليم والتّعلّم، فيرزقون ما يكفيهم ليتفرّغوا لذلك. ويقدّم الأهمّ فالأهمّ وجوباً. وقالوا: إنّ سهم اللّه تعالى والرّسول صلى الله عليه وسلم واحد، لأنّ ذكر اللّه تعالى في الآية الكريمة بقوله {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} لافتتاح الكلام باسمه تعالى تبرّكاً به لا لإفراده سبحانه بسهم، فإنّ للّه تعالى الدّنيا والآخرة. ب - سهم لبني هاشم وبني المطّلب ابني عبد مناف: وهم المراد بقول اللّه تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} دون غيرهم من بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أبناء عبد مناف، لاقتصار النّبيّ صلى الله عليه وسلم في القسم على بني الأوّلين مع سؤال ابن الآخرين له، روي عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنهما أنّه قال: «لمّا قسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطّلب أتيت أنا وعثمان بن عفّان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول اللّه، أمّا بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الّذي وضعك اللّه به منهم، فما بال إخواننا من بني المطّلب أعطيتهم وتركتنا، وإنّما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنّهم لم يفارقوني في جاهليّة ولا إسلام، وإنّما بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد وشبّك بين أصابعه». والعبرة في الاستحقاق من هذا السّهم بالانتساب إلى الآباء، أي بكون الأب من بني هاشم أو بني المطّلب، أمّا من كانت أمّه منهم وأبوه من غيرهم فإنّه لا يستحقّ شيئاً، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أمّه وهم بنو زهرة شيئاً، وإنّما دفع إلى أقارب أبيه، ولم يدفع إلى بني عمّاته وهم الزّبير بن العوّام، وعبد اللّه والمهاجر ابنا أبي أميّة، وبنو جحش. ويشترك في الاستحقاق من هذا السّهم الذّكور والإناث، لأنّ القرابة تشملهم، ولحديث جبير السّابق، ولما روي أنّ الزّبير رضي الله عنه كان يأخذ معهم أمّه صفيّة عمّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي النّسائيّ «أنّه صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر لصفيّة»، وكان الصّدّيق رضي الله تعالى عنهما يدفع للسّيّدة فاطمة رضي الله تعالى عنهما من هذا السّهم. والمذهب عند الشّافعيّة ورواية عن أحمد - وهي اختيار الخرقيّ - أنّه يقسم بين ذوي القربى للذّكر مثل حظّ الأنثيين، لأنّه سهم استحقّ بقرابة الأب شرعاً ففضّل فيه الذّكر على الأنثى كالميراث، ويفارق الوصيّة وميراث ولد الأمّ، فإنّ الوصيّة استحقّت بقول الموصي، وميراث ولد الأمّ استحقّ بقرابة الأمّ. والرّواية الثّانية عن أحمد وما نقل عن المزنيّ وأبي ثور وابن جرير أنّه يسوّى بين الذّكر والأنثى، لأنّهم أعطوا باسم القرابة والذّكر والأنثى فيها سواء، فأشبه ما لو وصّى لقرابة فلان أو وقف عليهم، فإنّ الجدّ يأخذ مع الأب، وابن الابن يأخذ من الابن، وهذا يدلّ على مخالفة المواريث، ولأنّه سهم من خمس الخمس لجماعة فيستوي فيه الذّكر والأنثى كسائر سهامه. ويستوي في الاستحقاق - على الرّوايتين - الصّغير والكبير لاستوائهم في القرابة فأشبه الميراث. وغنيّ بني هاشم وبني المطّلب وفقيرهم في الاستحقاق من هذا السّهم سواء، لعموم قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} ولا يجوز التّخصيص بغير دليل، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعطي أقاربه كلّهم وفيهم الأغنياء كالعبّاس رضي الله عنه وكان من أغنياء قريش»، ولم ينقل تخصيص الفقراء منهم، وروى أحمد في مسنده «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى الزّبير سهمًا، وأمّه سهماً، وفرسه سهمين». وإنّما أعطى أمّه من سهم ذي القربى وقد كانت موسرةً ولها موال وأموال، ولأنّه مال مستحقّ بالقرابة فاستوى فيه الغنيّ والفقير كالميراث والوصيّة للأقارب، ولأنّ عثمان وجبيراً رضي الله تعالى عنهما طلبا حقّهما منه وسألا عن علّة منعهما ومنع قرابتهما وهما موسران فعلّله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنصرة بني المطّلب دونهم وكونهم مع بني هاشم كالشّيء الواحد، ولو كان اليسار مانعاً والفقر شرطاً لم يطلبا مع عدمه، ولعلّل النّبيّ صلى الله عليه وسلم منعهما بيسارهما وانتفاء فقرهما. وقيل: لا حقّ في هذا السّهم لغنيّ قياساً على بقيّة السّهام. ج - سهم لليتامى: وهم الّذين مات آباؤهم ولم يبلغوا الحلم، فإن بلغوا الحلم لم يكونوا يتامى لحديث: «لا يتم بعد احتلام». والمشهور عند الشّافعيّة وهو قول لبعض الحنابلة. إنّه يشترط لاستحقاق اليتيم من هذا السّهم أن يكون فقيراً، لأنّ لفظ اليتيم يشعر بالحاجة، ولأنّ اغتناءه بمال أبيه إذا منع استحقاقه فاغتناؤه بماله أولى بمنعه. ومقابل المشهور عند الشّافعيّة وهو ما رجّحه ابن قدامة من مذهب الحنابلة: أنّه لا يشترط لاستحقاق اليتيم من هذا السّهم أن يكون فقيراً لشمول لفظ اليتيم للغنيّ والفقير، ولأنّ عموم الآية يشمل الغنيّ والفقير. وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يشترط لاستحقاق اليتيم الإسلام، فلا يعطى أيتام الكفّار من هذا السّهم شيئاً، لأنّه مال أخذ من الكفّار فلا يرجع إليهم، وصرّح الشّافعيّة بأنّه يندرج في تفسير اليتيم: ولد الزّنى واللّقيط والمنفيّ باللّعان. د - سهم للمساكين: وهم أهل الحاجة، ويدخل فيهم الفقراء، فالمساكين والفقراء في الاستحقاق من هذا السّهم صنف واحد، وفي الزّكاة صنفان لأنّه جمع بين لفظيهما بواو العطف في آية مصارف الزّكاة، وفرّق فقهاء الشّافعيّة والحنابلة - في باب الزّكاة - بين الفقير والمسكين فقالوا: الفقير: من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من كفايته، والمسكين: من له مال أو كسب يقع موقعًا من كفايته ولا يكفيه. هـ - سهم لابن السّبيل: وقد اختلف الشّافعيّة والحنابلة في تعريف ابن السّبيل الّذي يستحقّ من هذا السّهم ومن الزّكاة. وانظر تفصيل القول في ابن السّبيل مصطلح: (زكاة). واختلف الرّأي عند الشّافعيّة والحنابلة في تعميم المستحقّين أصحاب السّهام الأربعة المتأخّرة بالعطاء. فذهب جمهور فقهاء الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّه يجب على الإمام أو نائبه أن يعمّ المستحقّين من سهام ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل بالعطاء إن وفّى المال، نعم يجعل ما في كلّ إقليم لساكنيه، فإن عدمه بعض الأقاليم بأن لم يكن في بعضها شيء، أو لم يستوعبهم بأن لم يف بمن فيه إن وزّع عليهم نقل إليهم بقدر ما يحتاج إليه في التّسوية بين المنقول إليهم وغيرهم، ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة من كلّ صنف من أصناف هذه السّهام الأربعة كما يقول بعضهم، ويجوز أن يفاضل بين اليتامى، وبين المساكين، وبين أبناء السّبيل، لأنّهم يستحقّون بالحاجة فتراعى حاجتهم، بخلاف ذوي القربى فإنّهم يستحقّون بالقرابة، فإن كان الحاصل يسيراً لا يسدّ مسداً بالتّوزيع قدّم الأحوج فالأحوج ولا يستوعب، للضّرورة، وتصير الحاجة مرجّحةً وإن لم تكن معتبرةً في الاستحقاق. وقال بعض الشّافعيّة والحنابلة: يخصّ أهل كلّ ناحية بخمس مغزاها، لما يلحق في نقله من المشقّة، ولأنّه يتعذّر تعميم أصحاب السّهام به فلم يجب، قال ابن قدامة: والصّحيح - إن شاء اللّه - أنّه لا يجب التّعميم لأنّه يتعذّر. ومن فقد من هذه الأصناف أعطي الباقون نصيبه. واختلف الشّافعيّة والحنابلة فيمن اجتمع فيه أكثر من وصف، أو سبب من أسباب الاستحقاق من الخمس: فقال الشّافعيّة: من اجتمع فيه وصفان أخذ بأحدهما باختياره، فإن كان أحدهما غزواً جاز الأخذ بهما. وقال الحنابلة: إن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين إذا كان يتيماً وابن سبيل، استحقّ بكلّ واحد منهما لأنّها أسباب لأحكام، فوجب أن نثبت أحكامها كما لو انفردت، فلو أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئاً. القول الثّاني: 9 - قال الحنفيّة: يقسم خمس الغنيمة ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين " ويشملون الفقراء " وأبناء السّبيل. واستدلّوا بقول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وقالوا: إنّ ذكر اسم اللّه تعالى للتّبرّك في افتتاح الكلام إذ الدّنيا والآخرة للّه تعالى، ولأنّ الخلفاء الرّاشدين لم يفردوا هذا السّهم ولم ينقل عنهم، وأمّا سهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكان يستحقّه بالرّسالة كما كان يستحقّ الصّفيّ من المغنم، فسقطا بموته جميعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنّه لا يحلّ لي ممّا أفاء اللّه عليكم قدر هذه إلاّ الخمس والخمس مردود عليكم». وكذلك الأئمّة المهديّون لم يفردوه بعده عليه الصلاة والسلام، ولو بقي بعده أو استحقّه غيره لصرفوه إليه. وأمّا سهم ذوي القربى فإنّهم كانوا يستحقّونه في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالنّصرة وبعده بالفقر، لحديث جبير بن مطعم وعثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه " الّذي سبق " وهو يدلّ على أنّ الاستحقاق كان بالنّصرة، فتبيّن أنّ المراد قرب النّصرة لا قرب النّسب، ولأنّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً رضي الله تعالى عنهم قسموه على ثلاثة كما تقدّم وكفى بهم قدوةً. وقالوا: إنّما يعطى من الخمس من كان من ذوي القربى على صفة الأصناف الثّلاثة لقوله عليه الصلاة والسلام: «يا بني هاشم، إنّ اللّه تعالى كره لكم أوساخ النّاس، وعوّضكم عنها بخمس الخمس» والصّدقة إنّما حرّمت على فقرائهم، لأنّها كانت محرّمةً على أغنيائهم وأغنياء غيرهم، فيكون خمس الخمس لمن حرمت عليه الصّدقة، وما روي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه كان ينكح منه أيّمهم، ويقضي منه غارمهم، ويخدم منه عائلهم، وكان ذلك بمحضر من الصّحابة من غير نكير. وقالوا: إذا ثبت أنّه لا سهم للّه تعالى، وسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم سقط، وسهم ذوي القربى يستحقّونه بالفقر، لم يبق إلاّ الأصناف الثّلاثة اليتامى والمساكين وابن السّبيل فوجب أن يقسم عليهم، ويدخل ذوو القربى فيهم إذا كانوا بصفتهم. وقالوا: يشترط لاستحقاق اليتيم أن يكون فقيراً، لأنّ سبب استحقاق الأصناف الثّلاثة في الخمس احتياج بيتم، أو مسكنة، أو كونه ابن سبيل، فلا يجوز الصّرف لغنيّهم، ثمّ إنّهم مصارف لا مستحقّون حتّى إنّه لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز. القول الثّالث: 10 - وقال المالكيّة: يضع الإمام الخمس إن شاء في بيت المال، أو يصرفه في مصالح المسلمين من شراء سلاح وغيره، وإن شاء قسمه فيدفعه لآل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو لغيرهم، أو يجعل بعضه فيهم وبقيّته في غيرهم. فالخمس موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاده ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا، وعليه يدلّ قوله صلى الله عليه وسلم: «مالي ممّا أفاء اللّه عليكم إلاّ الخمس والخمس مردود فيكم» فإنّه لم يقسمه أخماساً ولا أثلاثاً، وإنّما ذكر في الآية من ذكر على وجه التّنبيه عليهم لأنّهم أهمّ من يدفع إليه، قال الزّجّاج محتجّاً لمالك: قال اللّه عزّ وجلّ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وجائز للرّجل بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك. وذكر النّسائيّ عن عطاء قال: خمس اللّه وخمس رسوله واحد، «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويعطي منه، ويضعه حيث شاء، ويصنع به ما شاء». القول الرّابع: 11 - قالت طائفة: يقسم الخمس على ستّة أسهم: سهم للّه تعالى، وسهم لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السّبيل، وذلك لظاهر قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ...} الآية، فعدّ ستّةً، وجعل تعالى لنفسه سهماً سادساً وهو مردود على عباد اللّه أهل الحاجة. القول الخامس: 12 - قال أبو العالية: سهم اللّه عزّ وجلّ هو أنّ الإمام إذا عزل الخمس ضرب بيده عليه فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، ثمّ يقسم بقيّة السّهم على خمسة، وروي عن أبي العالية قوله: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة، تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الّذي قبض كفّه فيجعله للكعبة، وهو سهم اللّه، ثمّ يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرّسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين وسهم لابن السّبيل، قال: والّذي جعله للكعبة هو السّهم الّذي للّه».
13 - الفيء مصدر فاء إذا رجع، قال اللّه تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ} أي ترجع. والفيء في الاصطلاح: المال - ونحوه ممّا ينتفع به - الحاصل للمسلمين من الكفّار ممّا هو لهم بلا قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب. ويشمل الفيء: ما جلا عنه الكفّار، وما أخذه العاشر منهم، والجزية، والخراج، وتركة ذمّيّ أو نحوه مات بلا وارث، وتركة مرتدّ مات أو قتل على الرّدّة - على تفصيل في المذاهب - وما أخذ من مال تغلبيّ وتغلبيّة، وهديّة الكفّار للإمام عن بعضهم. وقد اختلف الفقهاء في الفيء: فذهب الحنفيّة والمالكيّة - وهو ما رجّحه القاضي من روايتين عن أحمد إلى أنّ الفيء لا يخمّس، ومحلّه بيت مال المسلمين ويصرفه الإمام باجتهاده في مصالح المسلمين كسدّ الثّغور وبناء القناطر والجسور، وكفاية العلماء والمتعلّمين والقضاة والعمّال، ورزق المقاتلة وذراريّهم وقال المالكيّة: يبدأ بآل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ندباً. وقال الشّافعيّة وهو ما رجّحه الخرقيّ من روايتي أحمد: يخمّس الفيء، وخمسه لأصحاب خمس الغنيمة - وقد تقدّم بيانهم - والأخماس الأربعة للمرتزقة، وهم الأجناد المرصدون للجهاد.. في الأظهر عند الشّافعيّة وما ذهب إليه الخرقيّ من الحنابلة. ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة: أنّها تصرف في مصالح المسلمين ولا يختصّ بها المرتزقة. ولمزيد من التّفصيل ينظر: (فيء).
14 - السّلب: ثياب القتيل - من الكفّار - وسلاحه، ومركوبه وما عليه ومعه من قماش، ومال على تفصيل واختلاف. وقد ذهب جمهور الفقهاء - وهو المشهور عند الشّافعيّة - إلى أنّ السّلب - إن استحقّه القاتل - لا يخمّس، لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى بالسّلب للقاتل ولم يخمّس السّلب» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه» فهو بعمومه يقتضي أنّ السّلب كلّه للقاتل ولو خمّس لم يكن كلّه له. ومقابل المشهور عند الشّافعيّة - وهو ما حكاه ابن قدامة عن ابن عبّاس والأوزاعيّ ومكحول - أنّ السّلب يخمّس فيدفع خمسه لأهل الفيء، والباقي للقاتل، لعموم قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ...}. وقال الحنيفة: إذا لم ينفّل بالسّلب فهو من جملة الغنيمة يخمّس، ولا يستحقّه القاتل لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه» فإذا جعل الإمام السّلب للقاتل انقطع حقّ الباقين عنه، ولا يخمّس السّلب إلاّ أن يقول: من قتل قتيلًا فله سلبه بعد الخمس، فإنّه يخمّس. وقال إسحاق: إن استكثر الإمام السّلب خمّسه وذلك إليه، لما روى ابن سيرين أنّ البراء بن مالك بارز مرزبان الزّارة بالبحرين فطعنه فدقّ صلبه وأخذ سواريه وسلبه، فلمّا صلّى عمر الظّهر أتى أبا طلحة في داره فقال: إنّا كنّا لا نخمّس السّلب، وإنّ سلب البراء قد بلغ مالاً وأنا خامسه، فكان أوّل سلب خمّس في الإسلام سلب البراء، رواه سعيد في السّنن، وفيها أنّ سلب البراء بلغ ثلاثين ألفاً.
15 - الرّكاز: المدفون في الأرض، واشتقاقه من ركز إذا أخفى، يقال: ركز الرّمح إذا غرز أسفله في الأرض، ومنه الرّكز وهو الصّوت الخفيّ قال اللّه تعالى: {أو تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَاً} والواجب في الرّكاز الخمس لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «... وفي الرّكاز الخمس». ولبيان الواجب في الرّكاز وما في معناه من المعادن والكنوز، والشّروط الّتي يتعلّق بها الوجوب من حيث طبيعة الدّفن، وصفته، وموضعه ومصرف الخمس، ومن يجب عليه. ينظر: (زكاة، ركاز، معدن، كنز).
1 - الخنثى في اللّغة: الّذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، أو الّذي له ما للرّجال والنّساء جميعاً من الخنث، وهو اللّين والتّكسّر، يقال: خنّثت الشّيء فتخنّث، أي: عطفته فتعطّف، والاسم الخنث. وفي الاصطلاح: من له آلتا الرّجال والنّساء، أو من ليس له شيء منهما أصلاً، وله ثقب يخرج منه البول.
المخنّث: 2 - المخنّث بفتح النّون: هو الّذي يشبه المرأة في اللّين والكلام والنّظر والحركة ونحو ذلك، وهو ضربان. أحدهما: من خلق كذلك، فهذا لا إثم عليه. والثّاني: من لم يكن كذلك خلقةً، بل يتشبّه بالنّساء في حركاتهنّ وكلامهنّ، فهذا هو الّذي جاءت الأحاديث الصّحيحة بلعنه. فالمخنّث لا خفاء في ذكوريّته بخلاف الخنثى.
ينقسم الخنثى إلى مشكل وغير مشكل: أ - الخنثى غير المشكل: 3 - من يتبيّن فيه علامات الذّكورة أو الأنوثة، فيعلم أنّه رجل، أو امرأة، فهذا ليس بمشكل، وإنّما هو رجل فيه خلقة زائدة، أو امرأة فيها خلقة زائدة، وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه. ب - الخنثى المشكل: 4 - هو من لا يتبيّن فيه علامات الذّكورة أو الأنوثة، ولا يعلم أنّه رجل أو امرأة، أو تعارضت فيه العلامات، فتحصّل من هذا أنّ المشكل نوعان: نوع له آلتان، واستوت فيه العلامات، ونوع ليس له واحدة من الآلتين وإنّما له ثقب.
5 - يتبيّن أمر الخنثى قبل البلوغ بالمبال، وذلك على التّفصيل الآتي: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخنثى قبل البلوغ إن بال من الذّكر فغلام، وإن بال من الفرج فأنثى، لما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن المولود له قبل وذكر، من أين يورث؟ قال يورث من حيث يبول» وروي عليه الصلاة والسلام «أتي بخنثى من الأنصار، فقال: ورّثوه من أوّل ما يبول منه». ولأنّ منفعة الآلة عند الانفصال من الأمّ خروج البول، وما سواه من المنافع يحدث بعدها، وإن بال منهما جميعًا فالحكم للأسبق، وروي ذلك عن عليّ ومعاوية، وسعيد بن المسيّب، وجابر بن زيد وسائر أهل العلم. وإن استويا فذهب المالكيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى اعتبار الكثرة، وحكي هذا عن الأوزاعيّ، لأنّ الكثرة مزيّة لإحدى العلامتين، فيعتبر بها كالسّبق، فإن استويا فهو حينئذ مشكل، إلاّ أنّ بعض المالكيّة قال: ليس المراد بالكثرة أن يكون أكثر كيلاً أو وزناً، فإذا بال مرّتين من الفرج ومرّةً من الذّكر دلّ على أنّه أنثى، ولو كان الّذي نزل من الذّكر أكثر كيلاً أو وزناً. ويرى بقيّة الفقهاء أنّه لا عبرة بالكثرة، لأنّ الكثرة ليست بدليل على القوّة، لأنّ ذلك لاتّساع المخرج وضيقه، لا لأنّه هو العضو الأصليّ، ولأنّ نفس الخروج دليل بنفسه، فالكثير من جنسه لا يقع به التّرجيح عند المعارضة كالشّاهدين والأربعة، وقد استقبح أبو حنيفة ذلك فقال: وهل رأيت قاضيًا يكيل البول بالأواقي؟ 6 - وأمّا بعد البلوغ فيتبيّن أمره بأحد الأسباب الآتية: إن خرجت لحيته، أو أمنى بالذّكر، أو أحبل امرأةً، أو وصل إليها، فرجل، وكذلك ظهور الشّجاعة والفروسيّة، ومصابرة العدوّ دليل على رجوليّته كما ذكره السّيوطيّ نقلاً عن الإسنويّ. وإن ظهر له ثدي ونزل منه لبن أو حاض، أو أمكن وطؤه، فامرأة، وأمّا الولادة فهي تفيد القطع بأنوثته، وتقدّم على جميع العلامات المعارضة لها. وأمّا الميل، فإنّه يستدلّ به عند العجز عن الإمارات السّابقة، فإن مال إلى الرّجال فامرأة، وإن مال إلى النّساء فرجل، وإن قال أميل إليهما ميلاً واحداً، أو لا أميل إلى واحد منهما فمشكل. قال السّيوطيّ: وحيث أطلق الخنثى في الفقه، فالمراد به المشكل.
7 - الضّابط العامّ في بيان أحكام الخنثى المشكل أنّه يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدّين ولا يحكم بثبوت حكم وقع الشّكّ في ثبوته. وفيما يلي تفصيل بعض الأحكام المتعلّقة بالخنثى.
8 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ عورة الخنثى كعورة المرأة حتّى شعرها النّازل عن الرّأس خلا الوجه والكفّين، ولا يكشف الخنثى للاستنجاء ولا للغسل عند أحد أصلاً، لأنّها إن كشفت عند رجل احتمل أنّها أنثى، وإن كشفت عند أنثى، احتمل أنّه ذكر. وأمّا ظهر الكفّ فقد صرّح الحنفيّة أنّها عورة على المذهب، والقدمان على المعتمد، وصوتها على الرّاجح، وذراعاها على المرجوح. وصرّح المالكيّة بأنّه يستتر ستر النّساء في الصّلاة والحجّ بالأحوط، فيلبس ما تلبس المرأة. وأمّا الحنابلة فالخنثى عندهم كالرّجل في ذلك، لأنّ ستر ما زاد على عورة الرّجل محتمل، فلا يوجب عليه أمر محتمل ومتردّد.
9 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في رواية إلى عدم نقض الوضوء بلمس الفرج مطلقاً ويرى المالكيّة في المذهب أنّ الوضوء ينقض بلمس الخنثى فرجه. وعند الشّافعيّة ينتقض الوضوء بمسّ فرجيه جميعاً. وأمّا الحنابلة فقد فصّلوا الكلام فيه وقالوا: إنّ الخنثى لو لمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه، لأنّه يحتمل أن يكون الملموس خلقةً زائدةً، وإن لمسها جميعاً فعلى قول عدم نقض وضوء المرأة بمسّ فرجها لا ينتقض وضوءه لجواز أن يكون امرأةً مسّت فرجها، أو خلقةً زائدةً، وينقض على قول نقض وضوء المرأة بمسّ فرجها، لأنّه لا بدّ أن يكون أحدهما فرجاً. وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح: (حدث، ووضوء).
10 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - خلافاً للمالكيّة - إلى أنّه لا يجب الغسل على الخنثى بإيلاج بلا إنزال لعدم تغييب الحشفة الأصليّة بيقين.
11 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يصحّ أذان الخنثى وأنّه لا يعتدّ به، لأنّه لا يعلم كونه رجلاً. ولأنّه إن كان أنثى خرج الأذان عن كونه قربةً، ولم يصحّ.
12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا اجتمع رجال، وصبيان، وخناثى، ونساء، في صلاة الجماعة، تقدّم الرّجال، ثمّ الصّبيان، ثمّ الخناثى، ثمّ النّساء، ولو كان مع الإمام خنثى وحده، فصرّح الحنابلة بأنّ الإمام يقفه عن يمينه، لأنّه إن كان رجلاً، فقد وقف في موقفه، وإن كان امرأةً لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الإمام،كما لا تبطل بوقوفها مع الرّجال. والمشهور عند الحنفيّة أنّ محاذاته للرّجل مفسدة للصّلاة.
13 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الخنثى لا تصحّ إمامته لرجل ولا لمثله، لاحتمال أنوثته، وذكورة المقتدي، وأمّا النّساء فتصحّ إمامة الخنثى لهنّ مع الكراهة أو بدونها عند الحنفيّة والشّافعيّة، والحنابلة، لأنّ غايته أن يكون امرأةً، وإمامتها بالنّساء صحيحة. واختلفوا في كيفيّتها: فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ما عدا ابن عقيل إلى أنّ الخنثى إذا أمّ النّساء قام أمامهنّ لا وسطهنّ، لاحتمال كونه رجلاً، فيؤدّي وقوفه وسطهنّ إلى محاذاة الرّجل للمرأة. ثمّ يرى الحنفيّة أنّ الخنثى لو صلّى وسطهنّ فسدت صلاته بمحاذاتهنّ على تقدير ذكورته، وتفسد صلاتهنّ على هذا الأساس، والشّافعيّة على أنّ التّقدّم عليهنّ مستحبّ، ومخالفته لا تبطل الصّلاة. وقال ابن عقيل: يقوم وسطهنّ ولا يتقدّمهنّ. وصرّح الحنابلة بأنّه لا فرق في ذلك بين الفرض والتّراويح وغيرها. وفي رواية عن أحمد تصحّ في التّراويح إذا كان الخنثى قارئاً والرّجال أمّيّون ويقفون خلفه. وأمّا المالكيّة فلا يتأتّى ذلك عندهم، لأنّ الذّكورة شرط عندهم في صحّة الإمامة، فلا تجوز إمامة الخنثى ولو لمثله في نفل، ولم يوجد رجل يؤتمّ به. ولأبي حفص البرمكيّ من الحنابلة أنّ الخنثى لا تصحّ صلاته في جماعة، لأنّه إن قام مع الرّجال احتمل أن يكون امرأةً، وإن قام مع النّساء أو وحده، أو ائتمّ بامرأة احتمل أن يكون رجلاً، وإن أمّ الرّجال احتمل أن يكون امرأةً، وإن أمّ النّساء فقام وسطهنّ احتمل أنّه رجل، إن قام بين أيديهنّ احتمل أنّه امرأة، ويحتمل أن تصحّ صلاته في هذه الصّورة، وفي صورة أخرى، وهو أن يقوم في صفّ الرّجال مأموماً، فإنّ المرأة إذا قامت في صفّ الرّجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها عند الحنابلة.
14 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخنثى كالأنثى في شروط وجوب الحجّ، وفي لبس المخيط، والقرب من البيت، والرّمل في الطّواف، والاضطباع، والرّمل بين الميلين في السّعي، والوقوف، والتّقديم من مزدلفة، ولا يحجّ إلاّ مع ذي محرم لا مع جماعة رجال فقط، ولا مع نساء فقط، إلاّ أن يكونوا من محارمه. ويرى الحنابلة أنّ الخنثى إذا أحرم لم يلزمه اجتناب المخيط، فلا فدية عليه إن غطّى رأسه، لاحتمال كونه امرأةً، وكذلك لو غطّى وجهه من غير لبس للمخيط، لاحتمال كونه رجلاً، فإن غطّى وجهه ورأسه معاً فدى، لأنّه إن كان أنثى فقد غطّى وجهه، وإن كان رجلاً فقد غطّى رأسه، وكذلك لو غطّى وجهه ولبس المخيط، لأنّه إن كان أنثى فلتغطية وجهه، وإن كان ذكراً فللبسه المخيط. وقال أبو يوسف من الحنفيّة: لا علم لي في لباسه، لأنّه إن كان ذكراً يكره له لبس المخيط، وإن كان أنثى يكره له تركه. وينظر: (حجّ).
15 - صرّح جمهور الفقهاء بأنّ الخنثى لا يخلو به غير محرم من رجل ولا امرأة، ولا يسافر بغير محرم من الرّجال احتياطاً، وتوقّياً عن احتمال الحرام، وكذلك لا يتكشّف الخنثى المراهق للنّساء، لاحتمال كونه رجلاً، ولا للرّجال لاحتمال كونه امرأةً، والمراد بالانكشاف هو أن يكون في إزار واحد، لا إبداء موضع العورة، لأنّ ذلك لا يحلّ لغير الأنثى أيضاً. وقال القفّال من الشّافعيّة: بالجواز استصحابًا لحكم الصّغر، وبه قطع بعض الشّافعيّة.
16 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الخنثى إن زوّجه أبوه رجلاً فوصل إليه جاز، وكذلك إن زوّجه امرأةً فوصل إليها، وإلاّ أجّل كالعنّين. ويرى المالكيّة، وهو المذهب لدى الشّافعيّة أنّه يمتنع النّكاح في حقّه من الجهتين، أي لا ينكح ولا ينكح، وفي رواية ابن المنذر عن الشّافعيّ ينكح بأيّهما شاء، ثمّ لا ينقل عمّا اختاره، قال العقبانيّ: ولعلّه يريد: إذا اختار واحداً، وفعله، أمّا مجرّد الاختيار دون فعل فلا ينبغي أن يمنعه من اختيار الطّرف الآخر. واختلف الحنابلة في نكاحه: فذكر الخرقيّ: أنّه يرجع إلى قوله، فإن ذكر أنّه رجل، وأنّه يميل طبعه إلى نكاح النّساء، فله نكاحهنّ، إن ذكر أنّه امرأة يميل طبعها إلى الرّجال زوّج رجلاً، لأنّه معنىً لا يتوصّل إليه إلاّ من جهته، وليس فيه إيجاب حقّ على غيره، فيقبل قوله فيه، كما يقبل قول المرأة في حيضتها وعدّتها، وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصّنفين وشهوته له. وقال أبو بكر: لا يجوز أن يتزوّج حتّى يبين أمره. وأورده نصّاً عن أحمد، وذلك لأنّه لم يتحقّق وجود ما يبيح له النّكاح، فلم يبح له كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة، ولأنّه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقّه فحرم. وتفصيل ذلك في (نكاح).
17 - يرى الحنفيّة وجمهور الحنابلة أنّه إن ثاب (اجتمع) لخنثى لبن لم يثبت به التّحريم، لأنّه لم يثبت كونه امرأةً، فلا يثبت التّحريم مع الشّكّ. وأمّا عند المالكيّة فلم يرد نصّ في لبن الخنثى، ولكنّ الظّاهر كما قال بعض فقهائهم: إنّه ينشر الحرمة قياساً على من تيقّن الطّهارة وشكّ في الحدث، فتيقّن حصول لبنه بجوف رضيع كتيقّن الطّهارة، والشّكّ في كونه ذكراً أو أنثى كالشّكّ في الحدث. وذهب الشّافعيّة وابن حامد من الحنابلة إلى أنّه يوقف الأمر حتّى ينكشف أمر الخنثى، فإن بان أنثى حرم، وإلاّ فلا، ولكن يحرم عليه نكاح من ارتضع بلبنه.
18 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إن أقرّ على نفسه بما يقلّل ميراثه أو ديته قبل منه، وإن ادّعى ما يزيد ذلك لم يقبل لأنّه متّهم فيه فلا يقبل قوله على غيره، وما كان من عباداته وغير ذلك فينبغي أن يقبل قوله فيه، لأنّه حكم بينه وبين اللّه تعالى، ولا يقبل قوله في سقوط المهر عنه.
19 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخنثى كالأنثى في الشّهادة، فتقبل شهادته مع رجل وامرأة في غير حدّ وقود، ويعدّ في شهادته امرأةً. قال ابن حبيب من المالكيّة: ويحكم فيه بالأحوط، وسلوك الأحوط في شهادته أن لا تقبل إلاّ في الأموال ويعدّ في شهادته امرأةً. وأمّا قضاؤه، فيرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يصحّ تولية الخنثى، ولا ينفذ، لأنّه لا يعلم كونه ذكراً. ويرى الحنفيّة أنّ الخنثى كالأنثى يصحّ قضاؤه في غير حدّ وقود بالأولى، وينبغي أن لا يصحّ في الحدود والقصاص لشبهة الأنوثة.
20 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يقتل كلّ واحد من الرّجل والمرأة بالخنثى، ويقتل بهما، لأنّه لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى. واختلفوا في القصاص فيما دون النّفس. فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب القصاص في الأطراف سواء قطعها رجل أو امرأة. وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا قصاص على قاطع يد الخنثى ولو عمداً، ولو كان القاطع امرأةً، ولا تقطع يده إذا قطع يد غيره عمداً لاحتمال عدم التّكافؤ. وتفصيل ذلك في القصاص.
21 - إن كان المقتول خنثى فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ فيه نصف دية ذكر ونصف دية أنثى، لأنّه يحتمل الذّكورة والأنوثة احتمالاً واحداً، وقد يئس من احتمال انكشاف حاله، فيجب التّوسّط بينهما، والعمل بكلا الاحتمالين. ويرى الشّافعيّة أنّ الواجب دية أنثى، لأنّه اليقين، فلا يجب الزّائد بالشّكّ. وأمّا دية جراحه وأطرافه، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّها نصف ذلك من الرّجل. والمتبادر من كلام المالكيّة وهو المذهب لدى الحنابلة، وقول للشّافعيّة: إنّه يساوي الرّجل في الأطراف إلى ثلث الدّية، فإذا زاد على الثّلث صارت على النّصف عند المالكيّة والشّافعيّة، وعلى ثلاثة أرباع دية الذّكر عند الحنابلة، وتفصيل ذلك في الدّيات.
22 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة وهو مقتضى قواعد الحنفيّة والمالكيّة، بأنّه لا تدخل الخنثى في العاقلة، لاحتمال أن يكون امرأةً، ثمّ إن بان ذكراً، فالأصحّ عند الشّافعيّة أن يغرم حصّته الّتي أدّاها غيره.
23 - يرى الحنفيّة وهو قول للحنابلة: أنّ الخنثى لا يدخل في القسامة، لأنّه لا يدخل في العاقلة، ولا يثبت القتل بشهادته أشبه المرأة. والمتبادر من كلام المالكيّة في القتل الخطأ وهو قول آخر للحنابلة: أنّ الخنثى يقسم، لأنّ سبب القسامة وجد في حقّه، وهو كونه مستحقّاً للدّم، ولم يتحقّق المانع من يمينه. ويرى الشّافعيّة أنّه يحلف الخنثى الأكثر، ويأخذ الأقلّ للشّكّ، ويوقف الباقي على المدّعى عليه إلى البيان أو الصّلح، ولا تعاد القسمة بعد البيان فيعطى الباقي لمن تبيّن أنّه له بلا يمين.
24 - يرى المالكيّة والشّافعيّة وهو المتبادر من كلام الحنابلة أنّ من قذف الخنثى بفعل يحدّ به الخنثى يجب فيه حدّ القذف، فإذا رماه شخص بالزّنى بفرجه الذّكر، أو في فرجه الّذي للنّساء فلا حدّ عليه، لأنّه إذا زنى بأحدهما لا حدّ عليه. وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يحدّ قاذف الخنثى، لأنّه إن كان رجلاً فهو كالمجبوب، وإن كان امرأةً فهي كالرّتقاء، ولا يحدّ قاذفهما، لأنّ الحدّ لنفي التّهمة، وهي منتفية عنهما، ولكن في ذلك التّعزير.
25 - اختلف الفقهاء في جواز ختان الخنثى على أقوال: فذهب الحنفيّة إلى أنّ الخنثى الصّغير الّذي لا يشتهى يجوز أن يختنه الرّجل أو المرأة. وأمّا المالكيّة فقال بعض فقهائهم: لا يوجد نصّ في ذلك،ويرى ابن ناجي كما نقله الخطّاب: أنّ الخنثى لا يختتن تطبيقاً لقاعدة: تغليب الحظر على الإباحة. ومسائله تدلّ على ذلك. ويرى الشّافعيّة أنّ الخنثى لا يختن في صغره، فإذا بلغ فوجهان: أحدهما: وهو المشهور يجب ختان فرجيه. والثّاني: وهو الأصحّ: أنّه لا يجوز لأنّ الجرح لا يجوز بالشّكّ، فعلى الأوّل، إن أحسن الختان، ختن نفسه، فإن لم يمكن تولّاه الرّجال والنّساء للضّرورة. وقال الحنابلة: يختن فرجي الخنثى احتياطاً.
26 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يحرم على الخنثى في الجملة لبس الحرير والذّهب والفضّة، وذهب الحنفيّة إلى أنّ الخنثى يكره له لبس الحرير والحليّ، لأنّه حرام على الرّجال دون النّساء وحاله لم يتبيّن بعد، فيؤخذ بالاحتياط، فإنّ اجتناب الحرام فرض، والإقدام على المباح مباح، فيكره حذراً عن الوقوع في الحرام.
27 - إذا مات الخنثى فاختلف الفقهاء في غسله على أقوال: فذهب الحنفيّة إلى أنّ الخنثى إن مات لم يغسّله رجل ولا امرأة، لأنّ غسل الرّجل المرأة، وعكسه غير ثابت في الشّرع، فإنّ النّظر إلى العورة حرام، والحرمة لم تزل بالموت فييمّم بالصّعيد، لتعذّر الغسل، وييمّمه بخرقة إن كان أجنبيّاً، ويصرف وجهه عن ذراعيه لجواز كونه امرأةً، وبغير خرقة إن يمّمه ذو رحم محرم منه. وفصّل الشّافعيّة القول فيه: فقالوا: إذا مات الخنثى وليس هناك محرم له من الرّجال أو النّساء، فإن كان صغيراً لم يبلغ حدّاً يشتهى مثله جاز للرّجال والنّساء غسله، وإن كان كبيراً فوجهان: أحدهما: ييمّم ويدفن. والثّاني: يغسّل، وفيمن يغسله أوجه: أصحّها وبه قال أبو زيد: يجوز للرّجال والنّساء جميعاً غسله للضّرورة واستصحاباً بحكم الصّغر، والثّاني: أنّه في حقّ الرّجال كالمرأة، وفي حقّ النّساء كالرّجل أخذاً بالأحوط. وقال الحنابلة: إنّ الخنثى إذا كان له سبع سنين فأكثر ييمّم بحائل من خرقة ونحوها، والرّجل أولى بتيميم الخنثى من المرأة. 28 - ويكفّن الخنثى كما تكفّن الجارية في خمسة أثواب بيض، لأنّه إن كان أنثى فقد أقيمت السّنّة، وإن كان ذكراً فقد زادوا على الثّلاث، ولا بأس بذلك. فإنّ للرّجل أن يلبس في حياته أزيد على الثّلاثة. وأمّا إذا كان أنثى كان في الاقتصار على الثّلاثة ترك السّنّة. وإذا صلّي عليه، وعلى رجل، وعلى امرأة، وضع الخنثى بين الرّجل والمرأة اعتباراً بحال الحياة، لأنّه يقوم بين صفّ الرّجال والنّساء في الصّلاة. ولو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرّجل، لاحتمال أنّه امرأة، ويجعل بينهما حاجز من صعيد فيصير ذلك في حكم قبرين، وإن كان مع امرأة قدّم الخنثى، لاحتمال أنّه رجل. وتستحبّ تسجية قبره عند دفنه، لأنّه إن كان أنثى أقيم الواجب، وإن كان ذكراً فالتّسجية لا تضرّه.
29 - ذهب المالكيّة في المشهور من المذهب، والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّ الخنثى يرث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى عملاً بالشّبهين، وهذا قول ابن عبّاس والشّعبيّ، وابن أبي ليلى، وأهل المدينة، ومكّة، والثّوريّ وغيرهم. وورّثه أبو حنيفة أقلّ النّصيبين احتياطاً، ويعطيه الشّافعيّة اليقين، ويوقف الباقي حتّى يتبيّن الأمر أو يصطلحوا، ولو مات الخنثى قبل اتّضاحه لم يبق إلاّ الصّلح في القدر الموقوف " المحجوز "، وبه قال أبو ثور وداود وابن جرير. وفي كيفيّة إرثه خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح (إرث).
|